وكلام الموتى إما بلسان المقال أو بلسان الحال التي هي أفصح في تفهيم الموتى من لسان المقال في تفهيم الأحياء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يقول القبر للميت حين يوضع فيه : ويحك يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الفتنة، وبيت الظلمة، وبيت الوحدة، وبيت الدود ؟ ما غرك بي إذ كنت تمر بي فذاذا ؟ ". فإن كان مصلحا أجاب عنه مجيب القبر فيقول : أرأيت إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ فيقول القبر : إني إذا أتحول عليه خضرا ويعود جسده نورا وتصعد روحه إلى الله تعالى"[1].
وقال عبيد بن عمير الليثي رحمه الله : "ليس من ميت يموت إلا نادته حفرته التي يدفن فيها : أنا بيت الظلمة والوحدة والانفراد، فإن كنت في حياتك لله مطيعا كنت عليك اليوم رحمة، وإن كنت عاصيا فأنا اليوم عليك نقمة. أنا الذي من دخلني مطيعا خرج مسرورا، ومن دخلني عاصيا خرج مثبورا".
وقال محمد بن صبيح رحمه الله : "بلغنا أن الرجل إذا وضع في قبره عذب أو أصابه بعض ما يكره، ناداه جيرانه من الموتى : أيها المتخلف في الدنيا بعد إخوانه وجيرانه أما كان لك فينا معتبر ؟ أما كان لك في متقدمنا إياك فكرة ؟ أما رأيت انقطاع أعمالنا عنا وأنت في المهلة ؟ فهلا استدركت ما فات إخوانك. وتناديه بقاع الأرض : أيها المغتر بظاهر الدنيا هلا اعتبرت بمن غيب من أهلك في بطن الأرض ممن غرته الدنيا قبلك، ثم سبق به أجله إلى القبور وأنت تراه محمولا تهاداه أحبته إلى المنزل الذي لا بد له منه".
وقال يزيد الرقاشي رحمه الله : "بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله ثم أنطقها الله فقالت : أيها العبد المنفرد في حفرته! انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم عندنا". وقال كعب رضي الله عنه : "إذا وضع العبد الصالح في القبر احتوشته أعماله الصالحة الصلاة والصيام والحج والجهاد والصدقة. قال : فتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة : إليكم عنه فلا سبيل لكم عليه فقد أطال بي القيام لله، فيأتونه من قبل رأسه فيقول الصيام لا سبيل لكم عليه فقد أطال ظمأه لله في الدار الدنيا فلا سبيل لكم عليه، فيأتونه من قبل جسده فيقول الحج والجهاد : إليكم عنه فقد أنصب نفسه وأتعب بدنه وحج وجاهد لله فلا سبيل لكم عليه. قال : فيأتونه من قبل يديه فتقول الصدقة كفوا عن صاحبي فكم من صدقة خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله تعالى ابتغاء وجهه فلا سبيل لكم عليه. قال : فيقال له : هنيئا طبت حيا وطبت ميتا. قال : وتأتيه ملائكة الرحمة فتفرش له فراشا من الجنة ودثارا من الجنة ويفسح له في قبره مد بصره، ويؤتى بقنديل من الجنة فيستضيء بنوره إلى يوم يبعثه الله من قبره".
وقال عبد الله بن عبيد بن عمير رضي الله عنه في جنازة : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول : ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ونتني وهولي ودودي فماذا أعددت لي ؟ "[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني وأبو أحمد الحاكم رحمهم الله من حديث أبي الحجاج التمالي رضي الله عنه بإسناد ضعيف-والفذاذ : هو الذي يقدم رجلا ويؤخر أخرى هكذا فسره الراوي- .
[2] أخرجه ابن أبي الدنيا رحمه الله في القبور هكذا مرسلا ورجاله ثقات ورواه ابن المبارك رحمه الله في الزهد إلا أنه قال بلغني ولم يرفعه.